المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه

  

المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه (1913م ـ1999م)

 

 


النشأة

 

ولدت زيغريد أو زيجريد أو زيكريد هونكه، يوم 26 أبريل 1913م بمدينة كيل الألمانية، ووالدها هو الناشر الألماني الشهير هاينريش هونكه، تخصّصت في مقارنة الأديان، ودرست الآداب والفلسفة وعلم النفس والصحافة، وتحصلت على شهادة الدكتوراه سنة 1941م، وتزوجت بعد ذلك من المستشرق الألماني الكبير الدكتور شولتزا، حيث كان زواجُها من أكاديمي له اهتمامات مماثلة، كان عضواً في إحدى البعثات الدبلوماسية الألمانية، ويتكلم العربية بطلاقة، هو الدكتور شولتزا؛ وقد أنجبا إبنا، واشتغل أستاذاً جامعياً للتاريخ الحديث، وبنتين كانت تشتغل إحداهما مهنة الطب، في حين اشتغلت الثانية معلمة أو مربية في حقل التعليم.

 

  

أعمالها الأدبية


بدأت هذه الباحثة مغامراتها في التنقيب والحفر بين أضابير الصحف والمجلات، والكتب والمجلدات، مع بداية زواجها في مرحلة الشباب، وكان ثمرة جهدها الأول، باكورة مؤلفاتها، الذي كتبته كما تقول هي نفسها “بين قماطات الأطفال وملاعق الأكل والطبخ، كان أطفالي إلى جانبي دوما، يحرقون الأحذية البالية في المدفئة، أو يدهن كلٌّ منهم شعر الآخر بكريم الأطفال”…!

كان ذلك الكتاب – الذي يمثل باكورة أعمالها – بعنوان: “في البدء كان الرجل والمرأة “، وقد امتدح الأخصائيون والنقاد والقراء هذا الكتاب المنحوت بلغة أخاذة، واعتبروه أحد أهم المؤلفات في علم النفس، وتحديداً في مسألة فهم العلاقة التكاملية بين الجنسين، ومدى علاقتها بوظيفة كلٍّ منهما.

 

شمس العرب تسطع على الغرب

 

وأما كتابها الثاني الذي كان مفاجأة كبيرة جداً للأوساط الأكاديمية والعلمية في أوروبا أثناء ظهوره الموسوم بـ: “شمس العرب تسطع على الغرب” فقد حقق سنة 1960م ذروة النجاح لهذه الباحثة ذات الإرادة القوية في البحث عن الحقيقة، حيث احتل مكاناً متميزاً ضمن قائمة الكتب الأكثر رواجاً في العالم، إذ بيع منه أكثر من مليوني نسخة، وتُرجم إلى أكثر من 17 لغة عالمية كانت آخرها اللغة اليابانية. والعنوان الأصلي الذي اختارته المؤلفة لهذا الكتاب هو: “شمس الله تسطع على الغرب”، ربما لأنها اعتبرت حضارة العرب والمسلمين، حضارة ممهورة بالطابع الروحي والغيبي، فهذه الحضارة وإنْ أبدعت في مختلف مجالات العلوم والفنون، إلا أنها راسخة الصلة بالله والغيب والعقيدة الدينية؛ وأيضا لأن طبيعة الفتح الإسلامي لا صلة لها البتّة بالهيمنة أو تغيير عقائد الناس بالترهيب. وهو أنك تشير إلى ذلك بصراحة فتقول:{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}[البقرة: 256]، تلك هي كلمة القرآن الملزمة، فلم يكن الهدف أو المغزى للفتوحات العربية نشر الدين الإسلامي، وإنما بسط سلطان الله في أرضه، فكان للنصراني أن يظلّ نصرانيًا، ولليهودي أن يظلّ يهوديًا كما كانوا من قبل، ولم يمنعهم أحدٌ أن يؤدوا شعائر دينهم، ولم يكن أحد لِيُنزِل أذىً أو ضررًا بأحبارهم أو قساوستهم، وبِيَعِهم وصوامعهم وكنائسهم.

بيد أن مَن تصدوا للترجمة، ارتأوا أن يكون عنوان “شمس العرب تسطع على الغرب” هو العنوان الأنسب، لأنه الأكثر تعبيراً عن محتوى الكتاب ومنهجه، واتجاهه الفكري.

نشرت بعد ذلك وعلى مدى حياتها الطويلة الحافلة، أكثر من عشرة كتب تناولت موضوعاتٍ متنوعةً لها صلة وطيدة بالأدب، والفلسفة والتاريخ والاجتماع وعلم الأديان المقارن .. إلخ. وكان من بين أواخر كتبها، كتاب بعنوان مثير: “الله ليس كذلك” أماط اللثام عن ألف حكم مسبق عن العرب والمسلمين، كشفت من خلاله المؤلفة بأسلوب علمي- يعتمد على الحجج والبراهين – على كثير من الأحكام الشوفينية والتحويرات التاريخية والأقوال الخاطئة المقصودة، التي وظفتها بعض الدوائر التي تعمل على تأجيج الصراع بين الحضارات والثقافات الإنسانية، في نطاق ما يُعرف بظاهرة الخوف المرضي من الإسلام (الإسلاموفوبيا) – أو الخوف والتوجس من الآخر عموماً، فمن هي هذه السيدة التي تفتش بأدب ومنهجية عن مواطن “الفوبيا” مما هو عربي أو إسلامي؟ وتكشف المنابع التي مافتئت تنبثق منها هذه الأحكام المسبقة منذ فترة القرون الوسطى أو منذ مرحلة عصور الحروب الصليبية؟ وكيف تحققت هذه الشهرة الفريدة من نوعها لكاتبة يصفها بعض نقاد الأدب والفلسفة بأنها “صنعت تاريخا” بكتبها عن العلاقات المتبادلة بين الشرق والغرب؟


 

من أفول الغرب إلى طلوع أروبا


ومن أبرز مؤلفات هونكه التي أعقبت كتاب: “شمس العرب تسطع على الغرب”، كتاب: “الله ليس كذلك”، والذي تُرجم أيضاً بعنوان: “الله مختلف تماماً” وكتاب: “من أفول الغرب إلى طلوع أوروبا: تغير العقلية واحتمالات المستقبل”، وقد واصلت هونكه في هذين الكتابين شرح ما ذكرته مجملاً في كتاب: “شمس العرب تسطع على الغرب”، فكشفت العديد من المغالطات التي تمّ توظيفها ظلماً بالعرب والمسلمين، حيث شرحت للقراء الأوروبيين صورة الإنسان المسلم كما عرضها القرآن مدعومة بنماذج إنسانية مبهرة من تاريخ المسلمين وحضارتهم. كما فنّدت مزاعم بعض دوائر الغرب التي تدّعي ثبوت اضطهاد المرأة في الإسلام، وبيّنت لقرائها حقيقة مكانة المرأة في الإسلام بأدلة قطعية لا تقبل الدحض، وأرجعت بعض السلبيات القائمة إلى أنماط بعينها من الأعراف والتقاليد الاجتماعية.

 

العوامل التي تأثرت بها هونكه في إشهار الحضارة العربية والاسلامي فد أوروبا

 

• الأطلاع عن كثب ومنذ نعومة أظافرها عن الفكر والأدب، حيث تعمّقت في الفلسفة وعلوم الأدب الألماني، وعلم النفس وعلم مقارنة الأديان،  مما أتاح لها الفرصة للإطلاع على الثقافة الشرقية والتعمق فيها”.

•  نزوع التقرّب من العرب والمسلمين والتعمّق في تاريخهم ومساهماتهم في الحضارة الإنسانية، قضتها في البحث عن الحقيقة، ونشر قيم التسامح والتقارب بين الحضارات والثقافات، والإشادة بأثر العرب والمسلمين في تطوّر حركة الفكر والعلم.

 

• وقد ساقتها دراستها، وكذا تخصّصها في أصول الأديان المقارنة، إلى الإعجاب بالعرب والمسلمين وسماحة دينهم وإنسانية حضارتهم. وقد تسبب لها إعلانها ونشرها لآرائها في إزعاج وأذى من قِبل بعض المتطرفين المناهضين للعرب والمسلمين في الغرب، مما جعلها تلوذ بالانضمام إلى بعض الجمعيات التي تعمل على تقارب الثقافات ونشر قيم التسامح والتعارف بين شعوب العالم.

 

•وقد أفصحت هونكه نفسها في تقديمها لكتابها، عن نزوعها ورغبتها في تثبيت حقائق التاريخ، وأثر العرب والمسلمين في حضارة الغرب، وذلك بقولها “لقد صمّمتُ على كتابة هذا المؤلف، وأردتُ أن أكرم العبقرية العربية، كما أردتُ أن أقدم للعرب الشكر على فضلهم، الذي حرمهم من سماعه طويلاً تعصّب ديني أعمى أو جهل أحمق، وكم سُررت أن يترجم كتابي هذا إلى اللغة العربية، حتى أحدّث مباشرة قلوب العرب بما يعتمل في نفوسنا من المشاعر، وآمل مخلصةً أن يحتلّ هذا الكتاب مكانةً في العالم العربي أيضاً كسجل لماضي العرب العظيم، وأثرهم المثمر على أوروبا والعالم قاطبة

 

الجوائز والأوسمة التي نالتها

حصلت الدكتورة هونكه على جوائز وأنواط وتتويجات واعترافات كثيرة، كان منها جائزة “كانط”، وجائزة “شيلر”، كما نالت أعلى مراتب التكريم خارج ألمانيا وأوروبا، ففي عام 1988م قلدها الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك، وسام “النجمة الكبرى” وذلك في قاعة جامعة الأزهر بالقاهرة، وهو أعلى أوسمة الاستحقاق المصرية، تقديراً لها على الخدمات الجليلة التي قدمتها للثقافة العربية والإسلامية، وقد أعربت يومئذ عن امتنانها بإلقاء محاضرة قيمة عن الفكر العربي الإسلامي وأثرهما في الفكر الأوروبي، أمام المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة، وكانت محل إعجاب المستمعين. وقد عُينت كأول امرأة، غير مسلمة حينئذٍ، عضواً في المجلس، وقد أعقب ذلك عشرات الدعوات من رؤساء الدول والملوك والأمراء ومراكز البحوث والجامعات في أقطار المغرب العربي وشبه الجزيرة العربية، ومن مختلف أنحاء العالم الإسلامي إلى حضور حفلات استقبال أو إلقاء محاضرات أو المشاركة في ندوات.

 

 

وفاة المستشرقة الألمانية هونكة


وكانت وفاة هونكه بمدينة هامبورغ في شهر نوفمبر 1999م عن عمر ناهز 86 عاماً.

وصفوة القول أن الباحثة زيغريد هونكه رحمها الله، في كلّ ما كتبت تدعو إلى التفاهم المتبادل وإلى السلام بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب، ونبذ الحروب التي تكلف الإنسانية الأرواح والأموال؛ بينما استعمال الحكمة يفضي دائماً إلى التقارب والتوافق، واكتشاف مساحات جديدة للقاء والتعاون والتواصل، وذلك طريقه واضح – بنظرها- فهو يتمثل في احترام الآخر وفتح أبواب الحوار معه، وإبداء النيّة الصادقة لمحاورته وفهمه.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المواهب وإستغلالها الأستغلال الأمثل

حل أسئلة اختبار دراسات الإسلامية للصف الخامس الفصل الدراسي الثاني 1443

إستراتيجية الاتصالات المستهدفة لإدارة الازمات والمخاطر