"اتفاق ستوكهولم": هل يضع اليمن على طريق السلام؟
*تقدم هذا الورقة قراءة معمقة في اتفاق ستوكهولم بشأن الأزمة اليمنية، وتبحث في السياقات المحلية والإقليمية التي سبقت انعقادها، وتحلِّل أهمية ما توصل إليه الطرفان المتصارعان، والضمانات المتوفرة لتنفيذه، وتأثير ذلك على موازين القوى ومسارات الحرب وفرص إحلال السلام.*
*مقدمة*
يعيش اليمن حربًا بين الحوثيين والحكومة المعترف بها دوليًّا منذ قرابة خمسة أعوام، وتحديدًا منذ إعلان المملكة العربية السعودية الحرب على الحوثيين، في مارس/آذار من العام 2015، بعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء، في سبتمبر/أيلول 2014.
وقد نجم عن طول أمد الحرب خسائر بشرية ومادية جمَّة لحقت بكل الأطراف المتصارعة، كما تسببت بالطبع في فقدان الثقة، خاصة بعد فشل العديد من جولات الحوار التي رعتها الأمم المتحدة بين عامي 2015-2016.
ونتيجة لمتغيرات محلية وإقليمية، ازدادت الضغوط الدولية على الأطراف المتصارعة لعقد جولة جديدة من المفاوضات في السويد، خلال الفترة من 6- 13 ديسمبر/كانون الأول 2018، انتهت بالإعلان عن التوصل إلى تفاهمات بشأن بعض المسائل الخلافية وعدم القدرة على إحداث اختراق في مسائل وملفات أخرى.
فإلى أي مدى يمكن أن يكون "اتفاق ستوكهولم" المشار إليه بداية لعملية سلام حقيقية تنهي الصراع في اليمن؟
تقدم هذا الورقة قراءة معمقة في هذا الاتفاق، وتبحث في السياقات المحلية والإقليمية التي سبقت انعقادها، وتحلِّل أهمية ما توصل إليه الطرفان المتصارعان، والضمانات المتوفرة لتنفيذه، وتأثير ذلك على موازين القوى ومسارات الحرب وفرص إحلال السلام في هذا البلد.
*السياقات المحلية والدولية التي سبقت المفاوضات*
تم تعيين المبعوث الأممي الجديد، مارتن غريفيث (بريطاني)، في فبراير/شباط 2018، بعد أن وصلت جهود الأمم المتحدة لصناعة السلام في اليمن إلى طريق مسدود خلال ولاية إسماعيل ولد الشيخ (موريتاني) الذي قاد عدة جولات للمشاورات بين (2015 -2016) لم تصل إلى نتائج إلَّا أنها مثَّلت أرضية مكَّنت "غريفيث" من اعتمادها كأساس لتحركاته. وفي الأشهر الأخيرة لولاية "ولد الشيخ"،
رفضت جماعة الحوثي التعامل معه واتهمته بالانحياز، ورفضت عودته إلى صنعاء لقيادة المشاورات، وطالبت بتغييره وهو ما تحقق بالفعل.
وقد تولى المهمة من بعده البريطاني مارتن غريفيث، وهو شخصية معروفة لدى الحوثيين والحكومة الشرعية والتحالف؛ حيث قاد من قبل مشاورات خلفية خلال عام 2017 من خلال منصبه كمدير تنفيذي للمعهد الأوروبي للسلام في بروكسل، كما أنه يتلقى دعمًا من بلاده لإحداث تقدم في ملف الصراع باليمن (1).
في هذا الإطار، يمكن تحديد السياقات المحلية والإقليميَّة والدولية التي أسهمت بتأثير مباشر وغير مباشر في وصول الطرفين إلى اتفاق ستوكهولم على النحو التالي:
*1- السياق المحلي*
تشكَّلت عدة عوامل في السياق المحلي مهَّدت السبيل لمفاوضات ستوكهولم، من ذلك:
• الجمود العسكري:
الذي شهدته جبهات القتال خاصة من مطلع العام 2017؛ حيث لم يستطع أي من أطراف الصراع حسم الصراع لصالحه. وقد صاحب هذا الجمود ارتفاع متزايد في تكاليف الحرب مثَّلت ضغوطًا اقتصادية على كل الجميع بما فيها السعودية والإمارات.
• مقتل الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، على يد الحوثيين في ديسمبر/كانون الأول 2017:
أربك مقتل الرئيس اليمني خطط التحالف التي كانت تعوِّل على الانقلاب الذي سيُحدثه على الحوثيين.
وقد فشلت السعودية والحكومة اليمنية في اغتنام الفرصة التي كانت سانحة بتجييش القبائل ضد الحوثيين لدخول صنعاء وذلك بسبب صراع الأهداف بين أبوظبي والرياض.
بالمقابل، فإن مقتل "صالح" من قِبل الحوثيين أفقد الجماعة الغطاء السياسي الداخلي الذي كانت تتحرك تحته.
• ضعف موقف الحكومة الشرعية:
فشلت الحكومة في فرض هيمنتها على الأراضي المحررة من الحوثيين بسبب النفوذ الإماراتي المتزايد الذي يعتمد على أدوات محلية مثل المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات "النخبة" و"الحزام الأمني" في معظم المحافظات الجنوبية.
• وقف إطلاق الصواريخ والطائرات المُسيَّرة:
أعلن الحوثيون قبل بدء المشاورات عن وقف إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المُسيَّرة على الأراضي السعودية والإماراتية (2)؛ ما فتح المجال للمجتمع الدولي لممارسة ضغط على ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لتعليق الحرب إذ لم تعد الصواريخ ذريعة لاستمرارها.
• الحالة الإنسانية والأوضاع الاقتصادية:
وصول الحالة الإنسانية في اليمن إلى أوضاع مزرية حيث انتشرت الأمراض والأوبئة، بالتزامن مع ذلك يعيش الاقتصاد حالة من الشلل زادها وطأةً انهيار العملة وزيادة رقعة الفقر لاسيما مع عدم تسلُّم قرابة 1.2 مليون موظف رواتبهم منذ قرابة العامين.
وقد دفعت هذه العوامل مجتمعة الأطراف للتفكير بجدية في البحث عن فرص أخرى لتحقيق أهدافها فمضت إلى ستوكهولم تستكشف إمكانية ذلك.
*2- السياق الإقليمي والدولي*
أما عن السياق الإقليمي والدولي الذي انعقدت في ظله مفاوضات ستوكهولم، فيمكن الإشارة في هذا الصدد إلى بعض المعطيات المهمة:
• تفكك التحالف العربي:
شهد التحالف الذي شكَّلته السعودية في بداية الحرب تفككًا؛ إذ بدأ بعشر دول بحسب بيان إطلاق العمليات (مارس/آذار 2015) ثم ما برح يتناقص حتى اقتصر على دولتين فاعلتين فقط، هما: السعودية والإمارات، خاصة بعد خروج قطر والمملكة المغربية وماليزيا، وبعد الوجود الشكلي غير المؤثِّر للسودان والبحرين والأردن ومصر. تراجُع قوة التحالف وتفككه ساعد على الوصول إلى محطة ستوكهولم.
• أزمة جمال خاشقجي:
أدت عملية القتل المروَّع للصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في أكتوبر/تشرين الأول 2018، في قنصلية بلاده في إسطنبول واتهام ولي العهد، محمد بن سلمان، بالمسؤولية عن هذه العملية إلى تحركه لتخفيف حدة الصراع في الملف اليمني في محاولة منه لتحسين صورته في الخارج (3).
• القلق من انتهاء الدعم الأميركي:
مع تزايد الضغوط على إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خاصة عقب مقتل الصحفي، جمال خاشقجي، أعلنت تلك الإدارة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وقف تزويد الطائرات المقاتلة السعودية والإماراتية بالوقود في الجو، وفي الوقت ذاته فقد صوَّت مجلس الشيوخ الأميركي يوم "اتفاق ستوكهولم"، 13 ديسمبر/كانون الأول 2018، لصالح وقف الدعم الأميركي للسعودية في اليمن بأصوات (56 مقابل 41) (4)؛ وهو ما سبَّب قلقًا لدى السعودية والإمارات بشأن استمرار الدعم الأميركي لحربهما في اليمن.
• الموقف البريطاني:
تنشط بريطانيا في الملف اليمني وبخاصة داخل أروقة مجلس الأمن الدولي، وقد ازداد هذا النشاط مع تعيين المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، البريطاني الجنسية في منصبه والجولة التي قام بها وزير خارجيتها، "جيرمي هانت"، بين أبوظبي والرياض وطهران في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 دعمًا له (5).
• الموقف الإيراني:
شجَّعت إيران حلفاءها الحوثيين على مفاوضات ستوكهولم كسبًا لمواقف الدول الأوروبية في صراعها مع الولايات المتحدة التي أعادت فرض العقوبات عليها بعد انسحابها من الاتفاق النووي، وقد عبَّرت ممثلة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي عن رضاها لهذا الموقف (6).
*الوصول إلى مشاورات السويد*
بهذه السياقات وتلك الضغوطات المحلية والإقليمية والدولية، وصلت الحكومة اليمنية وجماعة أنصار الله الحوثية إلى ستوكهولم، من أجل إحراز تقدم في ملف السلام اليمني.
والتقى الوفدان يوم 6 ديسمبر/كانون الأول 2018، في مشاورات غير مباشرة لمناقشة ستة ملفات: (1) وضع الحديدة. (2) وضع البنك المركزي اليمني وإنهاء انقسامه. (3) إعادة فتح مطار صنعاء الدولي. (4) الإفراج عن الأسرى والمعتقلين. (5) حصار تعز. (6) الإطار السياسي للحل. وعدا الملف الأخير فإنَّ الملفات الخمسة السابقة تدخل في مجال الجهود الرامية لبناء الثقة. وقد حقق الحوثيون والحكومة تقدمًا في ملفي الحديدة، والإفراج عن الأسرى والمعتقلين، كما توصلا إلى بعض التفاهمات حول تعز، في حين فشلا في الوصول إلى حلول بشأن الملفات الثلاثة الأخرى.
*تفاصيل الاتفاقات والضمانات المصاحبة*
يعتبر التقدم الذي أُحرز في "اتفاق ستوكهولم" هو الأبرز منذ أربع سنوات، ورغم أنه خطوة صغيرة إلا أنه قد يتبعها خطوات أخرى على طريق السلام الطويل. وتشير اتفاقات الطرفين إلى جملة من التفاهمات في النقاط التالية:
(1) ملف الأسرى والمعتقلين:
قبل بدء المشاورات كان الاتفاق قد تم توقيعه بشكل مبدئي بالإفراج عن "الكل مقابل الكل"، وخلال المشاورات تبادل الطرفان قائمة بـ 16 ألف معتقل وأسير.
وهو تقدم كبير لم يحدث من قبل، خاصة وأن قائمة المعتقلين تشمل أسماء بارزة مثل القيادي في حزب الإصلاح، محمد قحطان، ووزير الدفاع السابق، محمود الصبيحي، والقائد العسكري، فيصل رجب، وشقيق الرئيس اليمني، ناصر منصور (7).
ومن المتوقع أن يتم تنفيذ هذا التبادل في يناير/كانون الثاني 2019. وحسب الاتفاق، فإن الأمم المتحدة هي الضامن لتنفيذه، وسيساعد الصليب الأحمر الدولي من أجل تسهيل عملية التبادل، ويشمل ذلك انتشال الجثث من مناطق القتال. ويستفيد الطرفان بتنفيذ هذا الاتفاق الذي يهم آلاف العائلات اليمنية التي لم تعرف مصير أبنائها.
(2) ملف الحديدة:
لم يكن متوقعًا تحقيق تقدم في هذا الملف لكن الضغوط الدولية في اللحظات الأخيرة أوصلت إلى تفاهمات بشأنه، وأبرز ما جاء فيها (8):
(أ) وقف إطلاق النار في محافظة ومدينة الحديدة وموانئ:
الحديدة، الصليف، رأس عيسى، على أن يبدأ منذ التوقيع على الاتفاق. وقد بدأ وقف إطلاق النار في 18ديسمبر/كانون الأول 2018. ورغم حدوث بعض الخروقات في وقف إطلاق النار إلا أنها حتى الآن ليست كبيرة خاصة في المدينة. وفيما يُظهر الحوثيون تماسكًا في القرار وقدرة على التنفيذ رغم الخروقات، فالموقف الحكومي يبدو أنه لن يكون بيد الرئيس هادي وحكومته بل بيد الإمارات فهي مَن أعلنت العملية العسكرية في يونيو/حزيران 2018(18) ثمَّ في سبتمبر/أيلول 2018(9)، وهي التي تعلن إيقافها وليس هيئة الأركان اليمنية. كما أن طبيعة القوات الموجودة لقتال الحوثيين تتلقى أوامرها من أبو ظبي وتدين بالولاء لها.
(ب) إعادة انتشار مشترك لقوات للطرفين من مدينة وميناء الحديدة ومينائي الصليف ورأس عيسى إلى مواقع يتم التوافق عليها عبر لجنة مشتركة تتضمن ثلاثة من كل طرف تحت إشراف لجنة أممية يقودها الجنرال الهولندي المتقاعد، باتريك كاميير، الذي سيتولى وفريق من خبراء الأمم المتحدة الإشراف على نظام مراقبة لوقف إطلاق النار وإعادة انتشار القوات (10).
وتجدر الإشارة إلى وجود نقاط مثيرة للجدل لم تُحسَم بعد ضمن الاتفاق بشأن مدينة وميناء الحديدة، من ذلك إدارة المدينة وأمنها وتحويل الإيرادات من الميناء إلى البنك المركزي في الحديدة، حيث يفسر كل طرف هذه الأمور وفق مصالحه، فتقول الحكومة:
إن إدارة أمن المدينة والميناء ستؤول إلى سلطتها (11) فيما يصر الحوثيون على أن تؤول إلى سلطتهم (12). وبدون أن تُقدِّم الأمم المتحدة توضيحًا حول طبيعة هذه القوة الأمنية والسلطة التي ستؤول إليها حماية المدينة والميناء فإن الاتفاق مُهَدد بالفشل.
ورغم أنه لا توجد ضمانات لهذا الاتفاق فإن قرارًا متوقعًا من مجلس الأمن سيجري التصويت عليه خلال الفترة من (20 -27 ديسمبر/كانون الأول 2018) ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة سيجعل منه اتفاقًا ملزمًا حال تمريره في جلسة مجلس الأمن بالطبع.
(3) تفاهمات تعز:
حدثت تفاهمات من أجل فك الحصار عن مدينة تعز والوصول إلى وقف إطلاق للنار بها ووصول المساعدات الإنسانية إلى أهلها.
وقد ظلت المدينة محاصرة منذ 2015، ويأخذ السكان طرقًا وعرة للوصول إلى قلب المدينة، كما أنها تعاني من قصف متواصل أدى إلى مقتل المئات من النساء والأطفال.
ورغم أن قضية تعز في جوهرها قضية إنسانية لكن الوصول إلى اتفاق شامل بشأنها يوقف الحرب ويعيد مؤسسات الدولة وسيطرتها على البلدات الأخرى التابعة لها ضمن زمام المحافظة يبدو صعب المنال في الوقت الحالي، ويبدو أنه لن يتحقق إلا ضمن اتفاق شامل يوقف الحرب في ربوع اليمن.
(4) الاتفاق على موعد جديد للمشاورات:
جرى الاتفا
تعليقات
إرسال تعليق